الرد السلفي المعقول على المميع المغرور
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فقد قرأت مقالاً لأحد المميعة يرد فيه على الشيخ الفاضل لزهر سنيقرة – حفظه الله – وسدد على درب الحق خطاه وقد عنون هذا المميع مقاله (لزهر سنيقرة على خطى فالح بطعنه في سكوت العلماء )واتهمه فيه بالجهل وعدم مراعاة المصالح والمفاسد في الرد على أهل البدع والأهواء .
لأنه حفظه الله تعالى قال عن السلف الصالح أنهم ما سكتوا عن صاحب هوى أو مبتدع أبدًا ولا داهنوا مخالفًا معرضًا البتة .
أقول وبالله التوفيق :
الشيخ - حفظه الله تعالى – لا يجهل هذا الأمر وإنما أراد بمقاله بيان منهج السلف الصالح في موقفهم من أهل البدع والأهواء وكشف زيفهم ودحض شبههم وعدم السكوت على باطلهم وقد استدل – حفظه الله تعالى – من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة وهذا الذي قاله الشيخ مدون في كتب أهل العلم قديمًا وحديثًا فإنهم - رحمهم الله تعالى – إذا ذكروا التحذير من أهل البدع وعدم السكوت عليهم لم يذكروا المصلحة أو المفسدة وهم لا يجهلون هذا.
وإليك أخي القاري زيادة على ماقاله الشيخ - حفظه الله - من الأدلة القاطعة بعدم السكوت عن أهل البدع والأهواء فقد قال محمد بن بندار السباك الجرجاني قلت لأحمد بن حنبل .. إنه ليشتد علي أن أقول فلان ضعيف فلان كذاب قال أحمد .. (إذا سكت أنت ، وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ). مجموع الفتاوى (28/232)
و قال الشيخ العلامة عبد العزيز باز- رحمه الله تعالى - : " فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل فإن هذا غلط عظيم ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة . فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة ".اهـ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 6 / 53)
و سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - : حول عدم الرَّد على أهل البدع وكتمان باطلهم والدِّفاع عنهم يعتبر من الغشّ للمسلمين، أجاب الشيخ - حفظه الله -: «هذا من أكبر الغش للمسلمين، السكوت على أهل البدع وعدم بيان بدعهم هذا من الغش للمسلمين، فإذا انظاف إلى هذا أنه يمدحهم ويثني عليهم فهذا أشد وأنكر والعياذ بالله، فالواجب على من عنده علم أن يُبَيِّن البدع والمحدثات وأن ينهى عنها ويُحذِّر منها ولا يسكت،السكوت هذا من الكتمان {إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ(159) إِلَّا الذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }لايجوز للمسلم الذي عنده علم أن يسكت على البدع والمخالفات ولا يُبَيِّنُها للناس لأنه إذا سكت احتجَّ الناس به وقالوا لو كان هذا محرمًا أو ممنوعًا ما سكت العالم الفلاني وهو يراه. نعم.
وقال الشيخ في كتابه إتحاف القاري بتعليقات شرح السنة للبربهاري :
هذا الذي خرج عن الحق متعمداً لا يجوز السكوت عنه ، بل يجب أن يكشف أمره ويفضح خزيه حتى يحذره الناس ، ولا يقال : الناس أحرار في الراي ، حرية الكلمة ، احترام الرأي الاخر ، كما يدندنون به الآن من احترام الرأي الآخر فالمسألة ليست مسألة أرآء المسألة مسألة إتباع نحن قد رسم الله لنا طريقا واضحا وقال لنا سيروا عليه حينما قال { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } [ الانعام ] فأي شخص يأتينا ويريد منا أن نخرج عن هذا الصراط فإننا: ـــ أولا : نرفض قوله . ـــ وثانيا : نبين ونحذر الناس منه ، ولا يسعنا السكوت عنه ، لأننا إذا سكتنا عنه اغترّ به الناس ، لاسيما إذا كان صاحب فصاحة ولسان وقلم وثقافة ، فإن الناس يغترون به ، فيقولون هذا مؤهل هذا من المفكرين ! ، كما هو حاصل الآن فالمسألة خطيرة جدًّا وهذا فيه وجوب الرد على المخالف ، عكس ما يقوله أولئك يقولون : اتركوا الردود ، دعوا الناس كلٌّ له رأيه واحترامه ، وحرية الرأي وحرية الكلمة ، بهذا تهلك الأمة ، فالسلف ماسكتوا عن أمثال هؤلاء بل فضحوهم وردوا عليهم ، لعلمهم بخطرهم على الأمة ، نحن لا يسعنا أن نسكت على شرهم ، بل لابد من بيان ما أنزل الله ، وإلا فأننا نكون كاتمين ، من الذين قال الله فيهم { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [ البقرة : 159 ] ، فلا يقتصر الأمر على المبتدع ، بل يتناول الامر من سكت عنه ، فإنه يتناوله الذم والعقاب لأن الواجب البيان والتوضيح للناس ، وهذه وظيفة الردود العلمية المتوفرة الآن في مكتبات المسلمين كلها تذُبُ عن الصراط المستقيم ، وتحذر من هؤلاء فلا يروِّج هذا الفكرة ، فكرة حرية الرأي وحرية الكلمة واحترام الآخر ، إلا مضلل كاتم للحق .
وقال الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى – في سؤال وجه إليه يقول البعض : أن توضيح منهج السلف الصالح سبّب الإنتكاسة في صفوف الشباب وتنافي الحكمة التي تجمع للإستقامة وتقرب للهداية ، فما حكم هذه المقولة بارك الله فيكم ؟ الجواب : قد تقدم ما يدين هذا القول في الإجابة عن الأسئلة التي سلفت وأن السكوت كتمان للحق (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )) [ البقرة : 159 ] . فليهنأ هؤلاء بمثل هذه اللعنات ـ نعوذ بالله من ذلك ـ يسمون كتمانهم حكمة ، ويسمون حماية البدع بالحكمة ، كيف يعرف الناس الحق وأنت ساكت ؟ الفتنة والفرقة إنما جاء بها أهل البدع والأهواء ، والدعوة إلى الله وإلى كتاب الله والتمسك بالكتاب والسنة هي دعوة للأمة كلها ، الفتن والإفتراق والخلافات التي جاءت كلها عن طريق أهل الباطل وأهل الفتن ، وهم ما يفترون ، وهم ينشرون باطلهم في صحفهم في مجلاتهم في أشرطتهم ويريدون من أهل الحق أن يسكتوا . صوت الحق هو الذي يجب أن يسكت عندهم ، وصوت الباطل له أن يعلو ويشاع في الأرض ! هل هم سكتوا ؟! أهل الباطل ، ما يسكتون ولا يفترون ولا يهدءون ، ولهم خطط ينفذونها جهنمية ، ثم هم يطلبون من أهل الحق أن يسكتوا (( ودّوا لو تدهن فيدهنون )) [ القلم : 9 ] . قال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وسلم : (( ولا تطع كلّ حلاّف مهين ـ همّاز مشآء بنميم ـ منّاع للخير معتد أثيم ـ عتلّ بعد ذلك زنيم ـ أن كان ذا مال وبنين ـ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين )) [ القلم : 10 ـ 15 ] . يجيء للمنهج السلفي يقول لك : هذا يفرّق ! هذا يمزّق ! الذي فرّق ومزّق الأمة هي الأهواء والضلالات التي يتحمس لنشرها أهل الباطل ، الآن في الانترنت مواقع للباطل ، في الصحف في المجلات في المدارس في كل مكان ينشرون باطلهم ، والشيء الذي يصعب عليهم أن يسمعوه هو صوت الحق . فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله [ ج 1 ص 211 ]
وسئل أيضًا : اتخذ البعض السكوت عن أخطاء الجماعات الإسلامية والحزبية منهجا له وأن هذه هي الحكمة وأصبح هذا منهجا له أتباع يسيرون عليه ما حكم هذا المنهج الجديد اليوم؟ الجواب : أخشى أن يكون هناك مبالغة في هذا السؤال، أنا لا أعتقد عالما يرى هذا المنهج، خاصة العالم السلفي، فأخشى أن يكون في هذا السؤال مبالغة، فعلى فرض وقوعه ووجوده فإن هذا خطأ، ويجب على من يقول هذا الكلام، وينظر هذا التنظير ويؤصل هذا التأصيل يجب أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، فإن الله ميّز هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم بعدم السكوت بل بالتصريح والتوضيح والجهاد وعلى رأسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله))، وقد لعن الله بني إسرائيل لاتخاذهم مثل هذا المنهج السكوتي المقر للباطل المغلف بالحكمة، قال: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون))، والرسول يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك مثقال ذرة من إيمان"، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، لا يقوم الإسلام إلا به، ولا تحرز الأمة هذه المصلحة العظيمة الخيرية والتقدم على سائر الأمم إلا إذا قاموا به، فإن هم قصروا استحقوا سخط الله بل لعنته كما لعن بني إسرائيل، فإذا كان بنو إسرائيل استحقوا اللعنات لأنهم لم يأمروا بالمعروف فنحن أولى - والعياذ بالله- لأن ديننا أعظم من دينهم، فإذا قصرنا في هذا الدين وتركناه يعبث به أهل الأهواء والضلال وجاريناهم وسكتنا عنهم وسمينا ذلك حكمة، فإننا نستوجب سخط الله تبارك وتعالى، ونعوذ بالله من سخطه، ونسأل الله - إن كان لهذا الصنف وجود- أن يهديهم وأن يبصرهم بطريق الحق وأن يبصرهم بعيبهم العظيم الذي وقعوا فيه، فيخرجوا منه إلى دائرة الدعاة إلى الله بحق، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الصادعين به ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين))، كذلك اصدع بما تؤمر وأعرض عن المبتدعين الضالين. [شريط بعنوان: الموقف الصحيح من أهل البدع]
وسُئِلَ فضيلة الشَّيخ العلَّامة/ زيد بن مُحمَّد بن هاديّ المدخليّ -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: هل مِنْ منهج السَّلف السُّكوت علىٰ دعاة أهل البِدَع مراعاة لبعض المصالح، وكذلك السُّكوت عن تبديع المُبتدع والتَّحذير منه مُراعاة للمصلحة؟
فقالَ -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: ليسَ مِنْ منهج السَّلف السُّكوت عَنْ أهل البِدَع الدَّاعين إليها مراعاة لبعض المصالح؛ وذلك لأنَّ اِنْتشار البِدَع في المجتمعات يُفسد أهلها، ولا شكَّ أنْ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما لا يجوز السُّكوت عن ذكر المبتدع بما فيه؛ لأنَّ السُّكوت عنه يسبب ضررًا على المجتمع، فلا بدَّ مِنْ ذكره ببدعته، ولا بدَّ من التَّحذير منه؛ نصيحة للمُسلمين، وكل ذلك عند القدرة على البيان حسًّا ومعنًى، وفي الحديث الصَّحيح: ((مَنْ رأىٰ منكم منكرًا: فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). الحديث.
وانْتشار البِدَع والسُّكوت عن الدُّعاة إليها ترك للمُنكر بدون تغيير؛ وذلك غير جائز في شريعة الإسلام الَّتي جاء بها البشير النَّذير والسِّراج المُنير، تنزيل مِنْ حكيم خبير.اهـ.
([«الأجوبة الأثريَّة عن المسائل المنهجيَّة» / ص: (104)])
وأما مراعاة المصالح والمفاسد التي يدندن حولها المميعة فإن قصدهم وهدفهم هو تمييع المنهج السلفي وفتح الباب لأهل البدع على مصراعيه فقد قعدوا قواعد وأصلوا تأصيلات باطلة مخالفة لمنهج السلف الصالح مجمل هذه القواعد والتأصيلات حماية أهل البدع والسكوت عن باطلهم ومن تلكم القواعد .
نصحح ولا نجرح ! ومنها نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلافنا فيه .
ومنها أن المنهج السلفي واسع أفيح يسع أهل السنة ويسع الأمة ، ومنها تغير الزمان ومراعاة المصلحة في هجر المبتدعة والتعامل معهم ، ومنها تجوز التخطئة ويحرم الطعن . ومنها لا ألزام بالجرح المفسر والتبديع القائم على الحجة إلا بشرط الإجماع أو الإقناع إلى غيرها من القواعد الباطلة الفاسدة .
وأخيرًا :
جزى الله الشيخ لزهر على جهوده التي تذكر فتشكر في نصرته للمنهج السلفي وأهله وجعله شوكة في حلوق أهل البدع والأهواء ورزقنا الله وإياه الإخلاص في القول والعمل .
إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وكتبه / أبو عبد الحليم عبد الهادي
23/ذي الحجة /1436ه. |