العقيدة -أولا وآخرا- سبيل إصلاح الأمة والنهوض بها

عرض المقال
العقيدة -أولا وآخرا- سبيل إصلاح الأمة والنهوض بها
2791 زائر
29-03-2017
غير معروف

💎العقيدة -أولا وآخرا- سبيل إصلاح الأمة والنهوض بها💎


الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.أما بعد؛ فقد يرى بعض المصلحين أن سبب انحطاط الأمة عائد إلى انحطاط اقتصادها، ويزعم بعضهم أن مرد ذلك يعود لفساد أخلاقها، وآخرون يدعون في بيان سبب ذلك غير ذلك؛ والحقيقة أنه لا هذا، ولا ذاك، ولا ذياك، والكل في معزل عن وضع الأصبع على موضع الجرح، وتشخيص الداء على ما هو عليه في أصله، تشخيصا كليا محيطا بجوانبه جامعا لأطرافه. والحق الحقيق بلزومه، أن سبب انحطاط الأمة، وضعفها، ومرد ما أصابها من ذل وإذلال، وتكالب الأعداء عليها، عائد إلى فساد العقيدة لدى كثير من أبنائها، الناشئ عن الجهل بالاعتقاد الصحيح الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة.ولقد أدرك المصلحون الربانيون هذا الأمر، في كل مرحلة من مراحل هذه الأمة، وجعلوه محور العناية، وقضية الرعاية.ومن أولئك الأعلام المصلحين ، الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فقام بالدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، وعن البدع والخرفات، وألف في ذلك الكتب والرسائل، وأبدأ في هذا الأمر العظيم وأعاد، متبعا في ذلك طريقة الأنبياء والمرسلين في دعوة أقوامهم وأممهم، وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه هي دعوة الرسل جميعا، من أولهم إلى آخرهم، وأول مادعوا إليه هو التوحيد، وأول ماحذروا منه هو الشرك بالله تعالى، قال الله تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وقال سبحانه: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}؛ فكل رسول بعثه الله تعالى في أمة من الأمم إلا ويفتتح دعوته بقوله:{اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وهكذا أتباع الرسل، مهتدون بهديهم، سالكون لسبيلهم، وبذلك وصت الأنبياء والرسل أتباعها أن يلزموه، ويسيروا عليه من بعدهم؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ماتدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية "أن يعبدوا الله"، وفي رواية "أن يوحدوا الله".ومما يدل دلالة واضحة على أن الدعوة إلى التوحيد وتصحيح الاعتقاد لها حق السبق والتقدم في طريق الإصلاح، أن الأنبياء والرسل قد بعثوا في أمم لم تخلو منها الجوانب السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الأخلاقية، من الفساد والانحطاط -وإن كان مقدار ذلك يتفاوت من أمة إلى أمة-، ومع ذلك، نجد أن القضية الكبرى التي انصبت عليها عناية الأنبياء والرسل هي قضية إقامة التوحيد الخالص في النفوس، وإصلاحها من الفساد الذي طرأ عليها، وهو الشرك بالله تعالى وتقدس. وإنه لمن مطروح التصور، وقاصر النظر، أن يتصور المرء أن تلك الأمم لم يفسد منها إلا أمر الاعتقاد والعبادة، وأن ما سوى ذلك، كانت تسير فيه على السبيل السواء؛ وهذا يرده ما قصه الله عز وجل علينا في كتابه من قصة شعيب عليه السلام، وأنه بعث في قوم مدين الذين كانوا ينقصون المكيال الميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، ويعيثون في الأرض فسادا.. ومع ذلك، فقد بدأ شعيب عليه السلام دعوته لقومه بقوله:{اعبدوا الله مالكم من إله غيره}، فقدم إصلاح العبادة والاعتقاد على إصلاح المال والاقتصاد؛ وفي القرآن على ذلك أمثلة كثيرة لا تخفى على المتأمل المتدبر. وإن أدنى إطلالة على حال العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم تنبئك -بما لا يدع لديك مثقال ذرة شك- أن أحوال العرب في الجملة كانت فاسدة من جميع جوانبها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية.. ولم يشغل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البدء بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل والأمر به، والتحذير من الإشراك به سبحانه والنهي عنه. والمقصود هنا، أنه لا صلاح ولا إصلاح إلا بما قامت عليه دعوة الرسل جميعا، ألا وهو توحيد الله تعالى وما يتبعه من تصحيح الاعتقاد؛ ففي صلاح الاعتقاد صلاح الأخلاق والاقتصاد، وصلاح الديار والبلاد، وصلاح الأمة والعباد، ومصداق ذلك من كتاب الله، قوله جل وعلا:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}؛ فمن وحد الله جل وعلا وعبده، خاف منه، وتوكل عليه، ولجأ إليه، واستعان به، وصلى وصام، وزكى نفسه من كل الرذائل، وتخلق بجميع المحامد والفضائل، وعمر الأرض صلاحا وإصلاحا، وأخذ بأسباب الرقي والعزة والتقدم.ولهذا أقول: العقيدة الصحيحة، أولا وآخرا، إذا أردنا بحق وصدق النهوض بالأمة من الحضيض، والأخذ بزمام السيادة والريادة.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبه/الشيخ أبو عبد الحليم محمد عبد الهادي.إمام مسجد السنة الكبير بمرسيليا.

   طباعة 
1 صوت